الخزي والعار: اعتداء الشرطة على جنازة شيرين هو مسّ بحريّة العبادة الدينية

تثبت تجربة مؤسسات حقوق الانسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، أن التحقيقات الإسرائيلية لن تؤتي نفعًا.
  • شاهين نصّار

    لا توجد كلمات تصف ما حدث في القدس نهاية الأسبوع أكثر من كل الخزي وكل العار للاحتلال ولقوات الاحتلال والشرطة، في تشييع وجنازة الصحافية شيرين أبو عاقلة يوم الجمعة المنصرم. فهذا مسّ خطير بحرية العبادة الدينية، مس بالمشاعر الدينية، وبالطبع إنه تدنيس لكرامة الانسان ولحرمة الميت!

لا يكفي أنها قتلت بنيران الجيش الإسرائيلي عند مدخل مخيم جنين الأسبوع المنصرم، تواصل أبواق الاحتلال بمحاولات الطمس والتضليل وزعم أنها لم تقتل بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي بل بنيران المسلحين الفلسطينيين.

في المقابل، أوصى مفتش الشرطة العام يعكوف شبتاي يوم أمس السبت بالتحقيق في تصرف رجال الشرطة خلال جنازة أبو عاقلة. شفتاي وبتنسيق مع بار ليف زعم أن الشرطة كانت قد نسقت مع العائلة، على ألا تجري مسيرة جنازة. بل أن يتم نقل الجثمان الى سيارة الموتى مباشرة ومنها الى المقبرة في القدس. يجب أن نوضح ما قصده المفتش العام بقوله أنه “تم التنسيق”. فما إن نزل شقيق أبو عاقلة في المطار قادمًا من الولايات المتحدة الأمريكية انهال عليه رجال الشرطة وأوقفوه واجبروه على قبول شروط فرضتها الشرطة لجنازة شقيقته. وهذا ما يسمى بـ”التنسيق”. بعد اخراج الجثة من المستشفى انهالت قوات الشرطة بضرب المشيّعين في ساحة المستشفى الفرنسي. في المقابل حوط خياّلة الشرطة الساحة ومنعوا دخول الناس اليها.

وانطلقت مسيرة تشييع الشهيدة من المشفى “الفرنسي” في القدس المحتلة، إلا أن قوات الاحتلال اقتحمت مبنى المشفى وساحته، واعتدت على المشاركين بالدفع والضرب، بعد أن كانت قد حاصرته بقوات معززة، كما ألقت قنابل الصوت صوبهم. وكان قد أعلن الهلال الأحمر بالقدس عن أحدث حصيلة للإصابات، تم تسجيل 33 إصابة جراء قمع الاحتلال لمشيعي جثمان الصحافية الشهيدة أبو عاقلة، و6 حالات منها نُقلت إلى المستشفى. فيما زعمت الشرطة أنه ألقيت حجارة تجاه قواتها وأنه كانت هناك “صيحات تحريض ومحاولات للاخلال بالنظام”. لكن من شاهد البث المباشر للجنازة يرى من هجم على من. يبدو أن الشرطة تعتقد أن المشاهدين عميان لا يستطيعون التمييز بين الواقع وبين الأكاذيب.

تظهر التسجيلات المصورة الكثيرة قمع الشرطة بالقوة، مع استخدام قنابل الهلع، للمشيعين في ساحة المستشفى الفرنسي. وكيف أنهم انهالوا بالضرب المبرح لحاملي نعش أبو عاقلة، بزعم أنهم “حاولوا خطف الجثة”.

عيّن وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف فريق تحقيق بقيادة الضابطة آنا بن مردخاي لفحص تصرف الشرطة. بالطبع يمكنكم الاعتماد على الشرطة للتحقيق بجرائمها. لن يجد فريق التحقيق أي سوء إدارة أو تصرف. رجال الشرطة الذين انهالوا بالضرب على المشيعّين وحاملي النعش، ولم يكن بوسعهم الاعتداء على الشرطيين، لن يتم التحقيق معهم. الهدف الأساسي من لجنة التحقيق هو اسكات الأصوات المنتقدة والمستنكرة في البلاد وفي الخارج.

 

رد الشعب الفلسطيني

خلال نهاية الأسبوع ضجّت وسائل التواصل الاجتماعية بتصريحات الاستنكار لقتل الصحافية، التي أمست رمزًا لمناهضة الاحتلال، وسعي الى الحقيقة. بل أكثر من ذلك، شهدنا استنكارات واسعة لتصريحات شيخ ليبي دعا الى عدم الترحم على الشهيدة أبو عاقلة وعدم اعتبارها شهيدة الوطن لكونها مسيحية، زاعمًا أنه لا يحق لمسلم الترحّم على مسيحي، وأنه يُمنع أن يلقب غير المسلم بالشهيد.

الرد الفلسطيني لم يتأخر. نزل آلاف مؤلفة من الشعب الفلسطيني الى الشوارع في وداع أخير للسيدة التي عملت طوال حياتها في نقل الحقيقة والواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وكانت جزءًا من النسيج المجتمعي الفلسطيني. مئات الآلاف الذين رافقوا شيرين في رحلتها الأخيرة، هم أفضل رد على أولئك المحرّضين الأصوليين ورد لائق من الشعب الفلسطين على الاحتلال.

لا شك لدي أن الاحتلال هو من قتل شيرين أبو عاقلة، وأراد أن يصمتها، أن يكمم فاه، وأن يغلق كاميراتها. وكل من حاول أن يقتل شيرين ثانية، والتحريض عليها بعد موتها، تلقى جوابًا سريعًا من الشعب الفلسطيني، وحدة المصير، مسيحيين ومسلمين على حد سواء، فلسطينيين!

 

جيش الاحتلال يزعم أنه لا يمكن تحديد مصدر اطلاق النار!

خلال يوم الجمعة نشر جيش الاحتلال تقريرًا مرحليًا زعم فيه أنه “لا يمكن تحديد مصدر اطلاق النار” الذي قتل صحافية “الجزيرة” شيرين أبو عاقلة. رغم أنه بحسب العديد التقرير ذاته “قد تكون قتلت من رصاصة طائشة من قبل جندي إسرائيلي”.

السلطة الفلسطينية من جهتها اتهمت جيش الاحتلال بقتلها بنيران قنّاص إسرائيلي. وأعلنت السلطة الفلسطينية استعدادها على مشاركة جهات دولية في التحقيق إزاء مقتل الصحافية الفلسطينية، وبالتعاون مع الادعاء الفلسطيني في رام الله الذي أكد بشكل لا يقبل التأويل أن أبو عاقلة قتلت عن سبق ترصد بنيران إسرائيلية.

تثبت تجربة مؤسسات حقوق الانسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، أن التحقيقات الإسرائيلية لن تؤتي نفعًا. فقد كذّب تحقيق إسرائيلي مسؤولية جيش الاحتلال لقتل الشاب محمد أبو خضير في أيلول/ سبتمبر 200. فيما يشير مركز مساواة الى مقتل 45 مواطنًا عربيًا بنيران الشرطة الإسرائيلية منذ العام 2000. وأنه لم تقدم لوائح اتهام تقريبًا في أي من هذه الحالات.

يذكر أن المحامي ألبير نحاس – عضو إدارة مركز مساواة، الذي يترافع عن عائلة الطالب محمد كيوان الذي قُتل في 12 أيار/ مايو 2021، قد طالب هذا الأسبوع المستشار القضائي للحكومة بأن يأمر بتقديم لائحة اتهام ضد الشرطي الذي أطلق النار على كيوان في رأسه من الخلف. مرّت أكثر من سنة منذ قُتل كيوان وحتى الآن لم ينتهي التحقيق ولم تقدم لائحة اتهام ضد الشرطي. علمًا أن عائلة كيوان تبرعت بأعضاء الشاب المغفور له قبل سنة، لمرضى يهود وعرب تلقوا عمرًا جديدًا بعد رحيله.

 

استنكارات دولية

استنكر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن عملية قتل الصحافية ودعا للتحقيق في أحداث القمع خلال تشييعها. وفي أعقاب أحداث موقع التشييع عبّرت جهات مسؤولة في الإدارة الأمريكية عن امتعاضها من تصرف الشرطة الإسرائيلية. في حين قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أنه “تستحق كل عائلة أن تقبر أحبائها بشكل محترم دون مضايقة”.

كذلك استنكر الاتحاد الأوروبي قمع المشيّعين، وعبّر عن انتقاده الشديد. فقد قال وزير خارجية الاتحاد – جوزيف بورل أن “لقد روعتنا المشاهد التي ظهرت خلال موكب الجنازة في القدس الشرقية المحتلة، وندين الاستخدام غير المتناسب للقوة، والسلوك غير المحترم لشرطة إسرائيل”.

وأضاف: “أن السماح بالوداع السلمي، وترك المعزين يودعون فقيدهم بسلام دون مضايقة وإهانة هو الحد الأدنى من كرامة الإنسان”.

Conference
יום עיון בחיפה