يعيش المواطنون العرب في خوف دائم على حياتهم وحياة أولادهم، الشوارع ليست آمنة، والشرطة لا تقوم بواجبها.
نواصل عدّ الضحايا: منذ مطلع العام الجاري، سقط 47 عربيًا وعربية ضحايا العنف والجريمة بالمجتمع العربيّ.
صرفت الحكومة في السنة الأخيرة أكثر من مئة مليار شاقل على أمن وأمان مواطنيها. لكن، لا يشعر المواطنين العرب في إسرائيل لا بالأمن ولا بالأمان. يسقط المزيد والمزيد من الضحايا يوميًا في براثن الجريمة والعنف في شوارع بلداتنا وقرانا العربية.
يشعر المواطن العربي بأن حياة الانسان رخيصة، اذ سقط العديد من المواطنين الأبرياء ضحايا حروبات عصابات الإجرام، والتهوّر والجريمة المستشرية دون هوادة في الحيّز العام. منذ مطلع الأسبوع أزهقت أرواح ثلاثة مواطنين عرب، بينهم شاب في الـ16 من العمر، شابة ذبحها شقيقها في النقب، وشاب سقط في إطلاق نار بمنطقة الناصرة.
همّت الشرطة في الأشهر الأخيرة بهدم منازل المواطنين العرب في النقب، وعكا والجليل، والقدس الشرقية بدلًا من أن تهتم بالحفاظ على حياة المواطنين العرب. في أكثر من مرة انشغلت الشرطة بالتهجم على متظاهرين رفعوا الأعلام الفلسطينية، أو في الحفاظ على حياة “اليهود” الداخلين الى المسجد الأقصى، بينما تقع مواجهات شبه يومية مع المواطنين الفلسطينيين في القدس المحتلة. وبدلًا من الحفاظ على حيوات المواطنين العرب نرى الشرطة تهم بقتلهم أو اعتقالهم، كما حدث مع المرحوم د. محمد العصيبي في البلدة القديمة بالقدس مطلع هذا الشهر.
يشهد المجتمع العربيّ ارتفاع منسوب الجريمة والعنف المُستفحلة دون رادع، بينما تقف الشرطة عاجزة حائرة، إما لانعدام الرغبة أو لانعدام القدرة، مما يفاقم الإحساس بالتواطؤ بين عصابات الإجرام وأجهزة الأمن. سقط 47 مواطنًا عربيًا ضحايا الاجرام والعنف منذ مطلع السنة. في العام 2022 سقط 109 ضحايا من المجتمع العربي، وبينما شهد العام 2021 رقمًا قياسيًا بلغ 111 ضحية. في السنوات الأخيرة لا ينزل عدد الضحايا عن الـ100.
اليوم (الثلاثاء) قُتل الشاب إبراهيم عبد الهادي (34 عامًا) من اكسال في حادثة اطلاق نار عند مفترق يفعات في مرج ابن عامر قرب الناصرة. تُشير الاحصائيات الى أن 21 من الضحايا لم يكملوا الـ30 من العمر. بينهم امرأتين. وأحدهم الطبيب د. محمد خالد العصيبي الذي قتل بنيران شرطة الاحتلال في البلدة القديمة بالقدس قبل نحو أسبوعين.
يوم الأحد أعلن عن مقتل الشابة أزهار أبو ربيعة في النقب بعد تعرضها للطعن، وهي ثاني امرأة تقع ضحية العنف منذ بداية العام الجاري. وهي شابة ثلاثينية وأم لأربعة أطفال ذبحًا في منزلها بقرية محكول، منطقة كسيفة بالنقب، وقد اعتقلت الشرطة شقيقها الجاني. في الجلسة التي عُقدت في محكمة الصلح في بئر السبع اليوم الثلاثاء، تم تمديد توقيف المشتبه به (26 عامًا)، بينما اعتقل مشتبه آخر للاشتباه بضلوعه في الحادث. كما قُتل شاب في الرملة فتى في الـ16 من العمر.
كما تعرض يوم السبت الماضي الفتى محمد سلامة أبو هواش (14 عامًا) للقتل بإطلاق نار، في حين أصيب شاب آخر (17 عامًا) بجراح بين طفيفة ومتوسطة، خلال شجار وقع في مدينة رهط في النقب. كما وقتل الشاب شادي نجار (39 عامًا) من شفاعمرو، فجر السبت، إثر تعرضه لجريمة إطلاق نار بمنطقة حيفا. ويوم الجمعة الماضي قُتل الفتى حمزة أبو غانم بإطلاق نار فجرًا في اللد.
وقد تحدث جال هيرش، أحد الأمنيين المسؤولين، الذي طُرح اسمه كمرشح محتمل لترأس “الحرس القوميّ”، المليشيا التي يطمح وزير الأمن القوميّ ايتمار بن جفير لانشائها، العام الماضي أكثر من مرة عن حال الجريمة في المجتمع العربي. ففي مقال نشر عام 2021 يصف الحالة قائلًا: “صرنا في حالة قريبة من حالة الأمن الداخلي لدول العالم الثالث تلك التي تقع تحت سيطرة كارتيلات الجريمة. إنها حالة طوارئ، ولا بد من أن نضع النقاط على الحروف”!
يوجد ميزانيات: لا يوجد أمان
ولكن، توجد ميزانيات بالفعل كما ذكرنا، تخصص الدولة أكثر من مئة مليار شاقل للأمن، نحو خُمس ميزانية الدولة البالغة 448 مليار. فقط قلة قليلة من هذه الميزانية مخصصة لحماية والحفاظ على حيوات المواطنين العرب، الذين يشكلون بنفسهم نحو خُمس مواطني الدولة إن لم يكن أكثر.
تتباهى الدولة بالخطة الخماسية لمواجهة الجريمة في المجتمع العربي، وتزعم أنها عنوان محاربة الجريمة المنظمة. صحيح، أن الخطة تُعنى بعدة مجالات، لكن الميزانية المخصصة لها بالكاد تتعدى 1% من ميزانية الأمن (وزارتي الأمن والأمن القومي).
يتبيّن من تحليل ميزانية الدولة أن الدولة خصصت لخطة معالجة ظاهرتي الجريمة والعنف في المجتمع العربي 2022-2026 ميزانية 1,500,000,000 شاقل للأعوام 2021 – 2026، تشمل تمويل ملاكات جديدة للخطة والتي صودق عليها في إطار الخطة الاقتصادية للسنوات 2021-2022.
هذا العام (2023) صودق على زيادة ميزانية بقيمة 129,634,000 شاقل. في حين بلغت ميزانية الشرطة الإسرائيلية لعام 2023 16,396,715,000 شاقل.
تخطط الحكومة للسنة المالية 2024 ميزانية 23 مليار شاقل للأمن القومي، بينما تخصص لوزارة الأمن 64,448 مليار شاقل في الميزانية العادية، لا يشمل الإضافات والميزانيات الخاصة. وتُضاف إليها 19 مليار شاقل كمصروفات مشروطة بالمدخولات، إضافة الى التزام بقيمة 43 مليار شاقل للوزارتين.
صادقت الحكومة في الثاني من نيسان/ ابريل على إنشاء “الحرس القومي” في إطار وزارة الأمن القومي لتخضع للوزير ايتما بن جفير، بميزانية تشمل 1,4 مليار شاقل، وصادقت على اقتطاع عرضي بقيمة 1,5% من ميزانيات كافة الوزارات لأجل انشاء هذا الحرس – في إطار التزام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للوزير بن جفير. ويهدف بن جفير الى تجنيد 1,800 شرطي للوحدة الجديدة وتدريبهم على ان يكونوا خاضعين لإمرته مباشرة.
ظاهريًا، يأتي إنشاء الحرس القومي لمعالجة مشكلة العنف المستشري وتعزيز القوى العاملة على حفظ الأمان، على أن يكون جسمًا مستقلًا “يضمن الحفاظ على النظام العام في حالات طوارئ ويعزز ويدعم قوى الأمن في حربها ضد عصابات الجريمة وظاهرة الخاوى”. وتتراكم الشكوك إزاء نية الوزير بالفعل تشغيل هذه القوة الجديدة في مكافحة الجريمة المنظمة بالمجتمع العربي وإرجاع الشعور بالأمان للمواطنين العرب في إسرائيل، وليس أن يعمل بموجب نزوات الوزير الفاشيّ.
خلال النقاش للمصادقة على تشكيل هذه الوحدات اقترحت وزيرة الدعاية جاليت ديستل أطربيان أن تتبرع كل وزارة بقيمة 10 آلاف شاقل لأجل أن تعمل على الدعاية وتشرح للناس سبب إقامة الحرس القوميّ – والا ستحدث “عملية تخريبية جدية” حسب قولها، اذ أن الناس باتوا يعتبرون الحرس القومي كـ”الحرس الثوري الخاص ببن جفير”!
نعود لميزانية الدولة، في الأيام التي تجري فيها النقاشات الساخنة حول ميزانية الدولة 2024، يمكن الإشارة الى رفع ميزانية وزارتي الأمن والأمن القومي. ففي وزارة الأمن القومي سُجلت زيادة قدرها 4,7%. حصلت الوزارة عام 2023 على ميزانية قدرها 21,9 مليار، بينما ستحصل بموجب ميزانية 2024 على ميزانية قدرها 23 مليار شاقل. من بينها ستخصص للشرطة ميزانية 16,3 مليار شاقل (17,2 يشمل ميزانية التطوير).
في الميزانية المقترحة يُذكر المجتمع العربي في أكثر من فقرة، وفي بند ميزانية الشرطة جاء ما يلي: “على ضوء ظواهر الإجرام والجريمة الآخذتان بالتوّسع في مجتمعات وأوساط واسعة في إسرائيل، ستعمل وزارة الأمن القومي على تعزيز إنفاذ القانون ضد الجهات الاجرامية، وستُبذل جهود مضاعفة في منطقة الجنوب وفي المُدن المختلطة. علاوة على ذلك، ستعمل وزارة الأمن القومي لبلورة رد مؤسساتي ضد منظمات الجريمة وعمليات الاجرام التي تمسّ المجتمع العربيّ وذلك بهدف تعزيز الشعور بالأمان لد عامة الجمهور في إسرائيل”.
حصلت الشرطة على ميزانية خاصة ومخصصة بقيمة 2,2 مليار شاقل كتعويض على مصروفاتها في ما يسمى عملية “حارس الأسوار”، هبة أيار 2021 التي اعتقل فيها آلاف الشباب العرب، وهدفت بالأساس لقمع مظاهرات واحتجاجات الجماهير العربية ضد الأحداث في الشيخ جراح والقدس. في المجتمع العربي ينظرون الى خطورة هذه الميزانيات المخصصة لقمع المواطنين العرب الذين خرجوا لممارسة حقهم بالتظاهر. عوضًا عن ذلك، حبذا لو خصصت هذه الميزانيات لمكافحة الجريمة المنظمة في المجتمع العربي، لا ينقص الدولة أموال.
الحكومة ذاتها هي التي تموّل مؤسسة تعمل كمليشيا خاصة تنخرط في مصالح اليمين. هذه المؤسسة “هشومير هتسعير” هي جمعية أقامتها ما يسمى بـ”الاستيطان العامل”، بهدف “حراسة المستوطنات اليهودية وأراضيها في الجليل والنقب”. وتحصل تلك المليشيا التي تصل ميزانيتها السنوية إلى 97 مليون شاقل في 2022، على ميزانية دعم حكومية بقيمة 9,425 مليون شاقل ونحو 17 مليون شاقل من تقديم خدمات للحكومة. مجمل مدخولات هذه المنظمة من أموال الدولة في السنوات الثلاث الأخيرة تبلغ 52,926,761 شاقل.
تصريحات رنانة وصفر أفعال!
اللجنة الخاصة التي أنشأت لمكافحة الجريمة في المجتمع العربي برئاسة زعيم الموّحدة النائب منصور عباس، بلورت خطة عامة لمكفاحة الجريمة في العام 2020. وفي جلسة خاصة استعرض رئيس الحكومة حينها بنيامين نتنياهو مسار العمل الذي تنوي حكومته تبنيه كخطة خُماسية 2021 – 2025. أثنى نتنياهو على الجهود، طالب بتجميع الاقتراحات المذكورة في تلك الجلسة التلخيصية للخطة – لكن مذ ذاك الحين لم يُعرف شيء إزاءها.
ويتبيّن من تقرير مراقب الدولة للعام 2021 أنه الارتفاع بمنسوب الجريمة في المجتمع العربي مستمر منذ التقرير الأصلي الذي ناقش القضية عام 2018. تُشير المعطيات الى ارتفاع بنسبة 19% بجرائم اطلاق النار عام 2018 و8% في العام 2019 وبلغت 9200 حادثة سنويًا. كما بعدد ضحايا الاعتداءات أشار التقرير الى زيادة بنسبة 10% بين الأعوام 2017 -2019، وبلغت حد 15,100 ضحية. عدد ضحايا القتل بلغ 95 عام 2019. في حين بلغت نسبة لوائح الاتهام الجنائية بأحداث اطلاق نار بالمجتمع العربي بين 3% – 5% من الملفات فقط، في حين أن نسبة لوائح الاتهام بمجمل ملفات التحقيق الجنائية التي حققت فيها الشرطة عام 2019 بلغت نسبة 15%.
بخلاف الأرقام الضخمة، جاءت تصريحات وزير الأمن القومي ايتمار بن جفير قبيل الانتخابات وبعدها بأنه سيعمل على تقليص الجريمة في المجتمع العربي. يبدو أن شيء ما في هذه المعادلة لا ينجح. توجد ميزانيات، توجد مخططات، ولكن لا أمن ولا أمان. في حين تتبع الحكومة مبدأ اتهام الضحية، بتوجيهها اصبع الاتهام الى المجتمع العربي، يواصل المجتمع العربي بالنزيف وعدّ الضحايا، دون رد فعلي ولائق من السلطات المسؤولة عن الأمن والأمان، وحكومة مشغولة بالانقلاب الدستوري وحفظ كرسي نتنياهو، وليس بأمن وأمان مواطنيها.