
سمير الخطيب: توأمان في سفر القد
هذه القصيدة مثال نادر على حوارٍ بين العصور والشعوب، كُتبت باللغة العربية وترجمها مؤلفها إلى الروسية. مؤلفها هو الدكتور سمير
الجماهير العربية الفلسطينية المواطنة داخل الخط الأخضر هي أكثر المجموعات تعرضًا للظلم والتهميش إستمرارًا للنكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني،ومع ذلك فهنالك مجموعات مهمشة أخرى في إسرائيل أبرزها اليهود الشرقيين او “اليهود اولاد العرب”. وقد طرح السؤال حول إمكانية إقامة شبكة تضامن بين المجموعات المهمشة وتأثير ذلك على المنظومة العنصرية الأولغارشية المسيطرة على البلاد.
اليهود القادمين من الدول العربية والإسلامية أو “اليهود الشرقيين”،هم من أبرز المجموعات التي هاجرت للبلاد ولم تكن متعاطفة مع الحركة الصهيونية ودائمًا مايدور الجدل حول مجيئهم للبلاد. حيث أنَّ نسبة كبيرة من يهود العراق كانوا من أشد المعادين للصهيونية وبذلك قام عدد من الشيوعيين اليهود العراقيين بتشكيل عصبة مكافحة الصهيونية في اربعينات القرن الماضي وسعوا للعمل على عدم اختراق الحركة الصهيونية للطائفة اليهودية في العراق إضافةً لتوعية الجماهير العراقية على الفصل بين اليهودية والصهيونية. كما عملت العصبة على التوضيح للجماهير بأنَّ الحركة الصهيونية هي ذراع للاستعمار العالمي إضافة للتشديد إلى أنَّ قضايا اليهود غير منفصلة غير قضايا المجتمعات التي يعيشون فيها وخاصةً في المشرق حيث الصهيونية والامبريالية يسعيان أن يكون الصراع بين العرب واليهود وليس العرب واليهود ضد الاستعمار وأذرعه في المنطقة.
الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية التي تآمرت على الشعب الفلسطيني وتسببت بتهجيره وحرمانه من حقه بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة كان أيضًا لها يد في العمل على هجرة يهود العراق ومعظم اليهود من الدول عربية إلى اسرائيل. حيث قامت الحركة الصهيونية في العراق بتنفيذ سلسلة تفجيرات في الكنس والمحلات والبيوت التي يقتنيها يهود في بداية الخمسينات بعد فشل المحاولات بإقناع غالبية يهود العراق بالمشروع الصهيوني. إضافةً الى تنفيذ “صفقة السويدي- هيلل” بين شلومو هيلل الذي عمل لصالح الموساد وتوفيق السويدي رئيس حكومة العراق بداية الخمسينات التي موجبها تم وضع خطة لنقل يهود العراق لإسرائيل. إضافةً لدور حكومة نوري السعيد بعد فترة في العمل على اسقاط الجنسية العراقية عن اليهود وكلاهما السويدي ونوري السعيد إستفادا ماليًا حيث أنَّ السويدي حصل على 14 جنيه استرليني عن كل تذكرة سفر ليهودي ترك العراق ونوري السعيد أشرك الشركات البريطانية التي كان أبنه وكيلًا لها.
كما وأبرمت الحركة الصهيونية صفقة مع النظام المغربي إذ كانت هجرة اليهود المغاربة مقرونًا بدفع مبلغ مالي تعويضًا عن خسارة المغرب لموارد بشرية بارعة في ادارة السلك الحكومي إضافةً لتقديم الدعم المالي والعسكري للنظام المغربي في بداية الستينات في حربها ضد البوليساريو ونزاعها الحدودي مع الجزائر.
لم يأتي اليهود الشرقيين إلى بلاد السمن والعسل بل تم إسكان غالبيتهم في المناطق الحدودية في مايسمى “المعبروت” في ظروف قاسية. لهذا إنتفض اليهود الشرقيين في أكثر من مناسبة في الخمسينات والستينات ضد التمييز فيما يسمى “إنتفاضة المعبروت”، كما أنضم أفراد من اليهود الشرقيين وخاصةً اليهود العراقيين أبرزهم يعقوب قوجمان إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي وكانوا من أشد المعادين للصهيونية وخاضوا النضال ضد الحكم العسكري إلى جانب الجماهير العربية الفلسطينية. لم يتبلور هذا النضال ليكوّن تحالف يضم المجموعات المهمشة وبقت كل مجموعة تناضل ضد التمييز لوحدها.
في أعقاب أحداث وادي الصليب في الخمسينات وإنتفاضة يوم الأرض عام 1976 بادر الحزب الشيوعي بتشكيل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتي كان الهدف منها إقامة أوسع شراكة وتحالف شعبي بين الأطر الشعبية والشخصيات المستقلة الوطنية الفاعلة بين الجماهير العربية. إضافةً لإقامة أوسع تحالف مع القوى اليهودية الديمقراطية،وبما أنَّ اليهود الشرقيين كانت من ضمن المجموعات التي تتعرض للتمييز من قبل المنظومة العنصرية التي قادها حزب “المباي” فعمل الحزب الشيوعي على ضم حركة الفهود السود التي قادت نضال اليهود الشرقيين في أحداث وادي الصليب. وتم ترشيح تشارلي بيطون ممثلًا عن الفهود السود في قائمة الجبهة، لكن هذه التجربة قد فشلت لعدة أسباب أبرزها بحسب أقوال رؤوفين ابرجيل أحد قيادات الفهود السود أن تشارلي بيطون “لم يكن يساريًا حقيقيًا”، من الممكن أنَّ هذه الأقوال تفسر أسباب إنسحاب تشارلي بيطون من الجبهة ودعمه في نهاية المطاف لحزب شاس بعد سنوات من التجارب الفاشلة بخوض الإنتخابات لوحده متهمًا الجبهة بأنها أصبحت متطرفة قوميًا وتعادي اليهود. وبحسب رأي عدد من النشطاء التقدميين أنه تمَّ تهميش اليهود الشرقيين الأعضاء في الحزب الشيوعي عند تشكيل الجبهة من قبل بعض قيادات الحزب اليهودية الأشكنازية. لكن من جهةٍ أخرى اذا نظرنا للفهود السود تنظميًا فإنهم لم يكونوا منظمين بشكلٍ كافٍ حيث أنَّ بيطون كان مرشحًا في قائمة الجبهة وسعاديا مرتسيانو كان مرشحًا في قائمة “شيلي”، وهذا الفشل التنظيمي ساعد على إختراق اليمين وخاصةً الليكود أوساط اليهود الشرقيين مستغلين الغضب من سلطة المباي.
منذ فشل تجربة الجبهة والفهود السود لم يتم تقييم تلك المرحلة بشكل وافٍ في ظل تسارع الأحداث من إنهيار الإتحاد السوفييتي وإشتداد الخلافات في داخل الحزب حول البروسترويكا. اليهود الشرقيين لم يقوموا بتنظيم نفسهم أيضًا فحركة الفهود السود لم تعد فاعلة وتم لاحقًا بناء حركة القوس الشرقي الديمقراطي التي لم تدم طويلًا. ولم تتطور شراكات بين منظمات فاعلة في اوساط اليهود الشرقيين وبين الأحزاب الفاعلة بين الجماهير العربية في نضال. مشترك وتاريخيًا إنَّ الأحزاب الفاعلة في أوساط الجماهير العربية لم تقم ببناء شراكة مع اليهود الشرقيين بل معظم الشراكات كانت مع أفراد من اليساريين الأشكناز رغم أهمية هذه الشراكات لكن تبقى الاستراتيجية الأهم هي بناء شراكات بين المجموعات المهمشة.
تتشارك الجماهير العربية الفلسطينية واليهود الشرقيين في قضايا عينية أبرزها الفقر والعنصرية إضافةً لعدم العدالة في توزيع الموارد والأرض حيث أنَّ 8% من الأولغارشية الاشكنازية تسيطر على 86% الأراضي في البلاد. لذلك هناك حاجة لدراسة إمكانية بناء شبكة تضامن بين المجموعات المهمشة في البلاد ضد المنظومة العنصرية التي تحكم البلاد والنضال من أجل المساواة وإنهاء الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 1967 . حيث أنَّ في ذلك مصلحة مشتركة لكلا المجموعتين إذ أنَّ المساواة للمواطنين العرب في اسرائيل والنضال ضد التمييز والعنصرية الممؤسسة ضدهم و الإنتصار عليها سيؤدي للانتصار على التمييز ضد اليهود الشرقيين لأن المنظومة العنصرية التي تميّز ضد الجماهير العربية هي نفسها التي تميّز ضد اليهود الشرقيين، إضافةً إلى كوّن النضال لإنهاء الاحتلال والاستيطان من شأنه أن يحسّن الأوضاع المعيشية للمواطنين الفلسطينيين واليهود الشرقيين إذا تمَّ صرف المليارات التي تصرف لتعميق الاحتلال والإستيطان على التعليم والصحة والاحتياجات المختلفة للمجتمع العربي والوسط اليهودي الشرقيي حيث أنَّ قرابة ال40% من ميزانية الدولة تصرف على الاحتلال والإستيطان.
تسعى السلطات الاسرائيلية لكي تتقوقع كل المجموعات المهمشة في قضاياها ومنع تطور أي شراكات بينها. لأن ذلك يشكل خطر على القوى المسيطر. حيث أنه في إحدى الوثائق الحكومية في السبعينات مع إنطلاق إنتفاضة الفهود السود ذُكر أن الشراكة بين اليهود الشرقيين والمنظمات اليسارية كالحزب الشيوعي ومنظمة متسبين والشراكة مع الجماهير العربية هي أمرٌ خطير، وهذا يوضح أنَّ السلطات تخشى حدوث شراكات بين المجموعات المهمشة مما يشكل خطر على المنظومة العنصرية الحاكمة.
يجب النضال ضد المنظومة العنصرية في اسرائيل وإختراق المجتمع الإسرائيلي وتحريره من هيمنة الصهيونية ببناء شبكة تضامن بين المواطنين الفلسطينيين والمجموعات المهمشة الأخرى بالشراكة مع القوى اليهودية الغير صهيونية مستفدين من تجارب الشعوب الاخرى التي إستطاعت بناء تحالفات بين الشعب المقموع (الأفارقة) مع القوى التقدمية في اوساط البيض.
ليكون دور شبكة التضامن النضال المشترك من أجل المساواة القومية والمدنية للجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل ومن أجل إقامة دولة فلسطينية على حدود ال1967 لتطبيق حق التقرير المصير للشعب الفلسطيني وتطبيق عودة الاجئين لديارهم. إنَّ تحقيق المساواة في اسرائيل هي النقيض للمنظومة الصهيونية الحاكمة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة من شأنها أن تؤدي فيما بعد إلى إقامة الدولة الواحدة الديمقراطية متساوية المواطنة وتحترم التعدد والتنوع الثقافي.
لكن يبقى السؤال في ظل تعميق الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 67 هل هناك إمكانية لبحث سبل نضال مشترك ضد نظام الأبرتهايد في فلسطين التاريخية والنضال من أجل مواطنة متساوية يتم من خلالها تطبيق حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وضمان حقوق متساوية لباقي المكونات كما طرحتها عصبة التحرر الوطني الفلسطيني حتى شباط 1948 . لكن على أي حال، سواء حل الدولة واحدة أم حل الدولتين، ففي نهاية المطاف حتى حل الدولتين سيؤول إلى دولة واحدة بعد تحقيق للمساواة القومية والمدنية في اسرائيل.
لكن قبل الحديث عن إقامة شبكة تضامن بين المواطنين الفلسطينيين والمجموعات المهمشة في اسرائيل نحن بحاجة للعمل على تنظيم كل مجموعة. خاصةً في ظل تراجع العمل الحزبي في أوساط الجماهير العربية وفي ظل عدم وجود تنظيم في اوساط اليهود الشرقيين، ومن ثمَّ العمل على تنظيم أوسع شبكة تضامن بين العرب الفلسطينيين واليهود الشرقيين.

هذه القصيدة مثال نادر على حوارٍ بين العصور والشعوب، كُتبت باللغة العربية وترجمها مؤلفها إلى الروسية. مؤلفها هو الدكتور سمير

*مركز مساواة يفتح ملف التمييز في التشغيل في المدن المختلطة: تمثيل العرب في أدنى مستوياته وتحذير من أزمة ثقة* في

شارك عشرات آلاف المتظاهرين يوم الجمعة في مدينة سخنين في المظاهرة الأكبر ضد حرب التجويع والإبادة منذ اندلاعها، رغم محاولات