Search
Close this search box.

باقة وبرطعة: بين مُعزل وفلسطين

نصف القرية يقع في الأراضي الإسرائيلية، والنصف الآخر في فلسطين. كيف يكون ذلك ممكنًا؟ صديقنا، ناشط سلام إسرائيلي، زار هذا المكان وكتب هذا المقال لصالح @nullandvoidmedia.

الخط الأخضر — وهو الحدود المعترف بها دوليًا بين إسرائيل وفلسطين — يمرّ مباشرة في وسط قرية برطعة الواقعة في الضفة الغربية.

بعد حرب عام 1948، قُسّمت برطعة إلى جزئين: أحدهما أصبح تحت الحكم الأردني، والآخر تحت السيطرة الإسرائيلية. وبعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967 وتأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، أصبحت المنطقة التي كانت تحت الحكم الأردني جزءًا من السلطة الفلسطينية.

في أوائل الألفينات، بُني جدار الفصل، مما أدى إلى اقتطاع مساحات كبيرة من الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية المستقبلية. وانتهى الحال ببعض أجزاء برطعة الفلسطينية في الجانب الإسرائيلي من الجدار بشكل فعلي. الجدار الخرساني الذي يبلغ ارتفاعه 4 أمتار يمرّ وسط المناطق السكنية — ويمكن رؤية منزل مبني مباشرة داخل الجدار في إحدى الصور.

الفلسطينيون الذين وجدوا أنفسهم في الجانب الإسرائيلي من الجدار اضطروا للتقدّم بطلبات تصاريح — ليس للعمل أو السفر، بل لمجرد السكن في منازلهم. هذه التصاريح، خلافًا لتأشيرات الإقامة المؤقتة، لا تتيح لحاملها دخول باقي أراضي إسرائيل، بل تسمح له فقط بالبقاء داخل حدود برطعة الشرقية. ولزيارة الأقارب في القسم الإسرائيلي من القرية، يتطلب الأمر إذنًا خاصًا من سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ومع ذلك، لا تزال الجزآن — الفلسطيني والإسرائيلي — يشكّلان مجتمعًا واحدًا مترابطًا. التقينا برؤساء البلديات من الجانبين، وكلاهما شدد على أن “نحن ما زلنا عائلة واحدة”.

لا توجد شرطة، ولا خدمات طبية أو اجتماعية في برطعة الفلسطينية. السكان يعتمدون على أنفسهم. وبحسب ما قاله مسؤولو الإدارة المحلية، فإنهم ينجحون في إدارة حياتهم بشكل جيد جدًا. أصبحت برطعة الشرقية بمثابة “هونغ كونغ” مصغّرة في الشرق الأوسط — تتدفّق إليها البضائع من مختلف أنحاء فلسطين وتُباع بأسعار أقل بكثير من أسعارها في إسرائيل. كثير من الإسرائيليين يزورونها لشراء المواد الغذائية، والأثاث، والأدوات المنزلية، ومواد البناء بأسعار منخفضة.

حوالي 7,000 شخص مسجّلين رسميًا في برطعة الشرقية، ولكن العدد الفعلي للسكان يقدّر بـ25,000–30,000 بسبب النشاط التجاري والطلب على السكن. يوميًا، يضطر السكان لعبور حاجز للوصول إلى باقي مناطق الضفة الغربية للعمل أو الدراسة أو العلاج. يُغلق الحاجز عند الساعة 6 أو 7 مساءً، وطالب السكان منذ سنوات بتمديد ساعات العمل فيه، ولكن طلباتهم تُقابل دائمًا بالرفض. سلطات الاحتلال لا تُبالي حتى لو احتاج شخص إلى رعاية طبية عاجلة في منتصف الليل.

منذ السابع من أكتوبر 2023، ساء الوضع عند الحاجز أكثر. كما يؤثر الحكم العسكري على الحياة الخاصة لسكان برطعة: إذا كان أحد الزوجين يحمل الجنسية الإسرائيلية والآخر فلسطينيًا، فإن حصول الفلسطيني على الجنسية الإسرائيلية يصبح شبه مستحيل بموجب “قانون الجنسية”. الأطفال المولودون لعائلات ذات وضع مختلط يواجهون كذلك مشاكل قانونية واجتماعية.

زيارة إلى برطعة تكشف ما وراء ستار الدعاية الإسرائيلية، وتظهر كيف يعمل فعليًا جهاز القمع. إنه ليس دائمًا دمويًا — ولكنه يومي، ممل، ومرهق. يعمل من خلال الانتظار لساعات طويلة ومُذلّة على الحواجز، ونظام تصاريح بيروقراطي لا ينتهي، وعقوبات صارمة من المحاكم العسكرية، وفصل الأسر.

أغلب سكان برطعة الشرقية لم يروا البحر المتوسط قط — رغم أن عائلاتهم عاشت لأجيال في الأراضي التي تُشكّل الآن إسرائيل. في المقابل، يستطيع المواطنون الإسرائيليون التنقل بحرية داخل البلاد، والسفر دون تأشيرة إلى أكثر من 160 دولة، بما في ذلك أراضي السلطة الفلسطينية.

برطعة ليست المثال الوحيد. مدينة باقة الغربية وقرية باقة الشرقية كانتا أيضًا كيانًا واحدًا في السابق.

نُظّمت هذه الرحلة من قبل مركز مساواة لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل. كل الشكر والتقدير لهم.

— ميخائيل سافونوف، ناشط

نُشر عبر قناة Null and Void

الصورة بعدسة الكاتب

https://t.me/nullandvoidmedia/562

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *