الأسبوع الماضي، نشرنا مقالًا عن زيارتنا إلى بلدة باقة الغربية، والتي نظَّمها مركز “موساوا” – مركز حقوق المواطنين العرب في إسرائيل، ومقره حيفا.
في ذلك المقال، سلطنا الضوء على المشاكل التي يواجهها القطاع العربي، والمشاكل التي تؤسسها الدولة. كثيرًا ما تمر دون ملاحظة، لكنها تؤثر علينا جميعًا بشكل كبير.
وعدناكم باستكمال رحلتنا الصغيرة، والفصل التالي قادنا إلى قرينتين تحملان نفس الاسم – برطعة. إحداهما داخل الحدود الإسرائيلية، والأخرى جزء من السلطة الفلسطينية.
في برطعة الغربية الإسرائيلية، زرنا مبنى المجلس المحلي، حيث رحَّب بنا رئيسه، رائد كابها.
يُشبه المبنى قصرًا صغيرًا — حديث، فسيح ومصمم ببراعة. وعلى كل باب مكتب توجد لافتات باللغتين العربية والعبرية، ما يخلق انطباعًا بأن الدولة تحرص حقًا على مؤسساتها. وبدو القرية نفسها مظهر جمالي وجذاب.
يتولى رائد كابها رئاسة مجلس محلي يشمل ثلاث قرى: برطعة (مسقط رأسه)، الموية، وعين ساحلة، بإجمالي سكان يقارب 13,000 نسمة. وقد أشار إلى أن الدولة استثمرت فعليًا في هذه القرى — حيث تم إنشاء مدارس حديثة، ملاعب كرة قدم، وصالات رياضية. كما أن مستوى التعليم آخذ في الارتفاع: 76 % من خريجي المدارس الثانوية يحصلون على شهادة البجروت. قبل ثلاثين عامًا كان هناك ثلاثة أطباء بالمنطقة فقط، واليوم ارتفع عددهم إلى 180 طبيبًا.
صورة كأنها حالة مثالية؟ ليس تمامًا. هناك العديد من العقبات التي تفرضها الدولة.
يشغل كابها منصبه منذ 12 عامًا. وفي عامه الأول، قدم ملفات لكل الجهات المعنية لبناء حي جديد للعائلات الشابة. وبعد كل هذه السنوات، صدرت أخيرًا التصاريح المنتظرة.
في السنوات الأخيرة، لوحظ انخفاض مستمر في معدل المواليد بالقطاع العربي في إسرائيل. واليوم، معدل الولادة لدى العرب بات أقل من ذلك لدى السكان اليهود — وهو تحول ديمغرافي بارز يعكس تحديات اجتماعية واقتصادية أعمق.
من الأسباب الرئيسية لذلك أزمة السكن الحادة.
العائلات العربية الشابة تواجه صعوبات شبه مستحيلة لبناء منزل: الأرض نادرة، والتصاريح رهينة البيروقراطية وانتظار لسنوات طويلة. الكثيرون يلجؤون للبناء على أراضٍ زراعية أو إضافة طوابق إلى بيوت لم تُصمم لهذا الغرض. ونشأة توجه آخرين إلى المستوطنات والبلدات اليهودية، مثل قرية “حريش” المجاورة، التي تتطور بسرعة وتجذب عائلات عربية من المناطق المجاورة.
إلى جانب أزمة السكن، تحوّل نقص المناطق الصناعية والتجارية في القرى العربية إلى عاملٍ مؤثر؛ إذ تُضطر الورش، الصناعات الصغيرة وخدمات السيارات للعمل ضمن ساحات المنازل بالقرى، سواء في باقة الغربية أو برطعة، مما ينعكس سلبًا على جودة الحياة ويخلق مخاطر بيئية وصحية.
هذه العوامل مجتمعة — نقص السكن، فقدان البنية التحتية، العقبات البيروقراطية — تؤثر بشكل مباشر على نوعية الحياة، معدل المواليد، والاستقرار الاجتماعي في المجتمع العربي في إسرائيل.
لم تَستغرق الرحلة سوى دقائق معدودة لنصل إلى برطعة الشرقية داخل الضفة الغربية (السلطة الفلسطينية). وهناك كانت المفاجأة: لا حاجز عسكري معروف، ولا جدار فصل!
دخلنا القرية بحرية – لا جنود، لا شرطة، ولا تسجيل دخول. ومع أن المنطقة ليست آمنة للمستوطنين غير العرب، إلا أن آلاف الإسرائيليين يمرون إلى هناك أيام العطل الرسمية.
وصلنا في يوم عمل، وكانت الحركة شبه منعدمة، والطريق الرئيسي مهمل، وكأننا في دولة “ثالثة”. وعلى الرغم من أننا بالضفة، إلا أن العديد من اللوحات المكتوبة بالعبرية كانت ظاهرة.
دخلنا مبنى متواضع، والسلالم متصدعة، متجهين للقاء رئيس الهيئة المحلية، عبدالله الكبَّاح.
مكان عمله واستقبال الزوار كان بسيطًا جدًا مقارنةً بالمبنى في الجانب الإسرائيلي. الكبّاح جلس أمام صورَ متواضعة لأبو مازن وياسر عرفات، معلقتين بشكل مائل. وافق دون تحفظ على ترتيب الصورة بشكل مستقيم، بعد همس المرافق له ما يجب عمله.
أخبرنا بأن قبل 1948، كانتا برطعتان قرية موحدة. وبعد تأسيس إسرائيل، قُسمت إلى شطرين بسبب وادٍ طبيعي.
الوضع الحالي معقد للغاية: برطعة الشرقية رسمياً ضمن السلطة الفلسطينية، لكنها تقع قبل جدار الفصل وتحت السيطرة الإسرائيلية الفعلية.
تحول القرية إلى “منطقة تجارة حرة” بشكل غير رسمي.
وعلى عكس الجانب الإسرائيلي، لا يفرض ضريبة القيمة المضافة هنا، وتسعر البضائع التي تصل من الضفة بشكل أقل بكثير. تبدو هذه الميزة، لكنها، وفق الكَبّاح، تخلق مشاكل ملموسة: إذ يعيش نحو 7,500 نسمة في القرية، لكن ينام فيها 20–25 ألف شخص بسبب العامل الاقتصادي. البنية التحتية لا تستوعب هذا الرقم، إضافة إلى أن الحاجز أغلق أبوابه في السادسة مساءً. المقيمون بحاجة لتصاريح إسرائيلية فقط لكي يعيشوا في بيوتهم، ويصطدمون بصعوبات عبور الحاجز، ما يحد من وصولهم إلى الرعاية الصحية، العمل، التعليم وغيرها.
للـ”منطقة الحرة” أيضًا فوائد.
الكثير من أصحاب الأعمال في الضفة نقلوا مصانعهم، ورشهم ومتاجرهم إلى برطعة، ويعمل بعضها حتى ساعات متأخرة. يوميًا تدخل إلى القرية 26 شاحنة محملة بالبضائع، المواد الغذائية، المعدات وقطع الغيار. ووفقًا لرئيس القرية، فبحلول نهاية الأسبوع تُسمع العبرية أكثر من العربية فيشارعة برطعة.
ولكن، ما مدى أمان اليهود في برطعة، حيث لا وجود لأي قوى أمنية إسرائيلية أو فلسطينية؟
يقول عبدالله الكبّاح: “نحن في برطعة عائلة واحدة كبيرة، ونشعر بمسؤولية تجاه ضيوفنا.”، ولكن هذه الإجابة لا توحي بطمأنينة كبيرة.
الاستنتاج من زيارتنا إلى باقة الغربية والبرطعتَين؟
الدولة – سواء في إسرائيل أو السلطة الفلسطينية – تُضع عقبات أمام أبناءها العرب. تغييرات قطعية بسيطة في السياسات قد تحسن ظروفهم، تبني الثقة، تعزز الشعور بالانتماء، وتساعد على إدماجهم في المجتمع الإسرائيلي. للأسف، يصل البعض لفائدة من استمرار هذا التوتر، وهو ما يولّد المزيد من الاستقطاب ويحافظ على الأنماط النمطية السلبية.
في هذا الساحة غير المتكافئة، ينشط ناشطو حقوق الإنسان ويحاولون إحداث التغيير — ولكن ليس دائمًا بنجاح…
نأمل أن نجري قريبًا مقابلة مع زعيم حركة “موساوا”، جعفر فرّاخ، لنتحدث حول التحديات التي يواجهها العرب في حيفا، وعن الصور النمطية الراسخة لدى الناطقين بالروسية بالمدينة.
أفنعير كورين، أولغا غوريفا
صور: من تصويرنا
